طريق الحرير البحري العظيم والتجارة البحرية على مدى آلاف السنين: التبادلات بين قوانغدونغ والحضارات الإسلامية القديمة في غرب آسيا
شياو هايمينغ، مدير متحف قوانغدونغ
(P1)خيرُ صباح ٍ لكم جميعًا. اليوم، أودُّ أن مشاركتكم في جزءٍ من سيرة طريق الحرير البحري العظيم، والتجارة البحرية على مدى آلاف السنين: التبادلات بين قوانغدونغ والحضارات الإسلامية القديمة في غرب آسيا.
(P2) تَقعُ مقاطعة قوانغدونغ في أقصى جنوب البَر الرئيسي الصيني ويَحُدُّها بحر الصين الجنوبي، وتَتمتع بخطوطٍ ساحلية طويلة، وموانئ مناسبة جعلتها نقطة انطلاق ٍ مُهمة لطريق الحرير البحري، بالإضافة إلى كَونِها واحدة من رأس الجسور للتبادلات البحرية بين الصين القديمة وغرب آسيا. خاصة منذ ولادة الإسلام، بَلغتْ التبادلات والاتصالات بين قوانغدونغ وغرب آسيا ذُروتها واستمرت لآلاف السنين وكان لهذه التبادلات تأثيرٍ بالغ.
(P3) تحتوي قوانغدونغ على مجموعة ٍ غنية من الآثار الثقافية لطريق الحرير البحري المُرتبطة بـ غربِ آسيا والحضارة الإسلامية. باستخدام الزمن كدليلٍ، اخترت بعض العناصر التمثيلية لمشاركتكم تاريخ التواصل الذي يَمتدُّ لآلاف السنين بين قوانغدونغ وغرب آسيا والحضارة الإسلامية.
(P4) شهدت الفترة ما قبل الإسلام، قبل القرن السابع الميلادي، فتح طُرق بحرية تَربطُ الصين والدول الغربية. لقد وضعت الاستكشافات البحرية النشطة، والتجارة، والاتصالات بين قوانغدونغ وغرب آسيا الأساس للتبادلات المتكررة التي تلتْ ذلك بين الحضارتين.
(P5) ظهرت خرزة العين المُرَكبَّة لأول مرةٍ في مصر في القرن السادس عشر قبل الميلاد وأصبحتْ فيما بعد شائعة في غرب آسيا، حيث كانت جيلان في إيران مركزًا للتصنيع. يُمكِن العثور على هذه الخرزة في قبور النبلاء رفيعي المستوى من سلالة زو (1046 قبل الميلاد – 256 قبل الميلاد). في منتصف وأواخر فترة الدول المتحاربة، ابتكرَ الحِرفيون الصينيون خرزات عين مُرَكبَّة من الرصاص والباريوم، وابتكرت المنتجات المماثلة في غرب آسيا. تمَّ اكتشاف هذه الخرزة في قبر من فترة الدول المتحاربة (476 قبل الميلاد – 221 قبل الميلاد) في جبل سونغ في مدينة زهاوقينغ. إنَّها أقدم آثار ثقافية تتعلق بالتبادل الثقافي مع غرب آسيا تمَّ العثور عليها في مقاطعة قوانغدونغ حتى الآن. يَعتقد المؤرخون أنَّه ربما تمَّ إدخالها عن طريق البَر من دولة تشو في شمال قوانغدونغ.
(P6) خلال سلالة تشين (221 قبل الميلاد – 207 قبل الميلاد) وسلالة هان (202 قبل الميلاد – 220 ميلادي)، كانت دولة جنوب يوي تتخذ بانيو عاصمةً لها، وحاليًا تسمى قوانغتشو. عُثر على صندوق فِضي مُزين بـ زخارفٍ على شكل بتلاتٍ في قبر ملك دولة جنوب يوي، ويتميز بأسلوب الحِرف المعدنية الفارسية القديمة. إنَّ الضغط على الزخارف البارزة على شكل بتلاتٍ على الأجسام المعدنية هو تِقنية تَطورت خلال الإمبراطورية الأخمينية القديمة في فارس، مثل هذا الوعاء ذو الأخاديد، داريوس الأول من الإمبراطورية الأخمينية؛ بحلول زمن الإمبراطورية الفرثية، ورثتْ الحِرفية الرقيقة وطَوَّروتْ هذا النمط من النقش، مثل هذا الوعاء على شكلِ بتلة الذي تمَّ اكتشافه في أفغانستان. يُعتبر الصندوق الفِضي المُكْتَشَف في قبر الملك وين لدولة جنوب يوي دليلًا ماديًا يُمثل التبادلات بين دولة جنوب يوي وغرب آسيا، ومن المُحتمل أنَّ تتم تلك التبادلات عَبرَ الطريق البحري، أي مُغادرة من الإمبراطورية الفرثية، بشكلٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ عن طريق البحر إلى بانيو، العاصمة لدولة جنوب يوي.
(P7) بعد وضعِ دولة جنوب يوي تحت ولاية الحكومة المركزية، بذلَ الإمبراطور وو من سلالة هان مزيدًا من الجهود لتعزيز التجارة البحرية. هناك سجلات واضحة في “هان شو” (تاريخ سلالة هان) تُشير إلى أنَّ أولَ طريق خارجي للصين يبدأ مِمَّا يُعرف اليوم بشيوين ومدن أخرى في مقاطعة قوانغدونغ. خلال نفس الفترة، ازدهرتْ قوانغتشو سريعًا بفضل موقعها كميناءٍ. وفقًا لـ”شي جي” (تاريخ سلالة هان المبكرة وما قبلها)، كانت بانيو مدينة كبيرة خلال سلالة هان حيث تجمعت السلع الأجنبية مثل اللؤلؤ، وقرون وحيد القرن، وأصداف السلاحف.
(P8) تمَّ اكتشاف كمية كبيرة من زخارف الخرز في قوانغتشو وشيوين، وكان معظمها سلعًا أجنبية تم تصنيعها في مركز صناعة المجوهرات والجايد في غرب آسيا. تَمَّ العثور على هذه السلسلة من الخرزات في شيوين وتَتكون من 194 قطعة من الزجاج الملون والعقيق بـ أحجام ٍ وأشكال وألوان مُختلفة. كانت خرزات الفاينس المكتشفة في قبور سلالة هان الشرقية في قوانغتشو مُصنَّعةً أصلًا في مصر وغرب آسيا، حيث إنَّ مكوناتها مشابهة لخرزات الفاينس في غرب آسيا. وهذا يُثبت أنَّ خرزات الفاينس هي غريبة تمَّ إدخالها إلى الصين بعد فتح ِ طريق الحرير البحري في سلالة هان.
(P9) تَمَّ اكتشاف مجموعةً من الأعمال الذهبية والفضية التي تختلف عن الأنماط المحلية الصينية في قرية بيانوان، مقاطعة سويكسي في المنطقة الساحلية من شبه جزيرة لايتشو، مقاطعة قوانغدونغ. من بينها، يتميز هذا الوعاء الذهبي على شكل عش ِ الطيور بشكل ٍ خاص ٍ بتصميمه الرائع، حيث تمَّ تزيينه من الخارج بأسماك ٍ وطيور وفينيق ٍ طائر ٍ وآلهة.
(P10) كما تمَّ العثور على أكثر من 20 قطعة من العملات الفضية في الكنز، والتي تَحمل صورة الملك على الوجه الأمامي والمذبح والكاهن على الجانب الخلفي. يُعتقد أنَّ تاريخ صك العملة يَعود إلى الإمبراطورية الساسانية في عهد شابور الثالث حتى فترة بيروز (383-484). لذا، تنتمي هذه المجموعة من الآثار الذهبية والفضية إلى الإمبراطورية الساسانية. تَمَّ اكتشاف أكثر من 1932 قطعة من العملات الفضية الساسانية في 11 محافظة (منطقة ذاتية الحكم) في الصين، ويَقع معظمها على طول طريق الحرير. تعتبر قوانغدونغ هي المقاطعة الوحيدة التي تمَّ العثور عليها في جنوب نهر اليانغتسي، مِمَّا يَدل على أنَّ هذه العملات الفضية الساسانية تمَّ إدخالها من خلال طريق الحرير البحري من غرب آسيا. كانت معظمها مثقوبة أو مقطوعة إلى قطع ٍ، وكانت تُستخدم كـ عملة ٍ في منطقة لينغنان في ذلك الوقت.
(P11) في بداية القرن السابع، أصبح الإسلام في غرب آسيا شائعًا وأسهمَ بنشاط ٍ في تعزيز التجارة البحرية. في نفس الفترة، تمَّ إنشاء طريق بحري يبدأ من قوانغتشو إلى منطقة الخليج الفارسي. دَخلَ الإسلام إلى الصين من خلال قوانغتشو عن طريق البحر واستقرَّ عددٌ كبيرٌ من التجار المسلمين في قوانغتشو. الشظايا القديمة التي تمَّ اكتشافها في حطام السفن المسماة “باتو هيتم” و”نانهاي Ι” تشهد على التاريخ المجيد للتجارة البحرية بين قوانغدونغ وغرب آسيا.
(P12) يُعتقد أنَّ النبي محمد أرسلَ أبا وقَّاص، أحد الأربعة من حكماء الإسلام، للقيام بأعمال التبشير في الصين في أوائل سلالة تانغ. قامَ ببناء مسجد هوايشينغ، الذي يُعتبر أحدُ أقدمَ المساجدَ بعد دخول الإسلام إلى الصين، بعد وصوله إلى قوانغتشو. توفي أبو وقاص في قوانغتشو وأُطلقَ عليه لاحقًا “قبر الحكيم الإسلامي القديم” من قِبل الأجيال اللاحقة.
(P13) في سانيا ولينغشوي وبعض المدن الأخرى في مقاطعة هاينان، تمَّ اكتشافُ عدةِ شواهد قبور ٍ لمسلمين تَحمل صور الهلال وتعاليم الإسلام باللغة العربية. تقع هذه المناطق على المَسَار الرئيسي للطرق البحرية بين قوانغتشو وغرب آسيا. يُعتقد أنَّ أصحاب هذه القبور هم مسلمون سافروا بين قوانغتشو وغرب آسيا.
(P14) وصلَ عددٌ كبيرٌ من العرب والفُرس إلى قوانغتشو عن طريق البحر واستقروا أو شاركوا في التجارة في أكبر ميناء تجاري خارجي في الصين.وذلك وفقًا للأرشيفات، و بحلول نهاية سلالة تانغ، كان يعيش في قوانغتشو حوالي 120,000 أجنبي، وكان معظمهم من غرب آسيا حيث يمكن العثور على صورهم على تماثيل وصور الآثار الثقافية من سلالة تانغ.
(P15) كان يُطلق على هؤلاء الأجانب “فانكي” من قِبل الصينيين. لتحسين إدارة الأجانب، أنشأت حكومة سلالة تانغ “فانغفان” (أماكن للأجانب) حول مسجد هوايشينغ الذي استمرَ حتى سلالة سونغ، مِمَّا أسفرَ عن تطوير نظام إدارة متميز، وعادات وثقافة دينية. تمَّ اكتشاف هذه الجِرارِ الفخّارية الفارسية المُزَيَنة بالزخارف الزرقاء للزخرفة في “فانغفان” من سلالة تانغ وسونغ. مُعظمها كانت تُستخدم كـ حاوياتٍ للسوائل مثل الزيت والنبيذ وماء الورد، وبعضها اُستُخدمَ أيضًا في بلاط سلالة هان الجنوبية.
(P16) من بين سبعة طرق للخارج خلال سلالة تانغ، كانت أهم طريق بحري تُسمى “قوانغتشو تونغ هاي يي داو” (طريق إلى الدول الأجنبية عبر البحر من قوانغتشو) والذي يربط أكثر من 90 دولة حول بحر الصين الجنوبي، والمحيط الهندي، والخليج الفارسي وساحل شرق إفريقيا. مع إجمالي 89 يومًا من الإبحار، كانت أطول طرق بحرية في العالم في ذلك الوقت. كانت العديد من السفن التجارية الصينية تُصَدِرُ سِلعًا مثل الحرير، والبورسلين، والشاي، وأعمال النحاس والحديد، بينما كانت سفن التجار العرب تَستورد التوابل عَبرَ هذا الطريق.
في منتصف القرن الثامن، قَادَ المَلَّاح العُماني الشهير عبيد “صُحار” – قارب خشبي مدفوع بالرياح مع شِراعين وثلاثة أشرعة، وسافر تقريبًا عشرة آلاف كيلومتر على البحر، ووصلَ إلى قوانغتشو بعد سبعةِ أشهر ونصف. وجلبَ معه الأقمشة، والبَطَّانيات، والمنتجات المعدنية والبخور، إلى الصين. وكان القارب مُحَمَلاً بالحرير الصيني، والبورسلين، والكافور، والمسك، والتوابل عند العودة. تَستند القصة الشهيرة “رحلة سندباد” في الحكاية الشعبية العربية “ألف ليلة وليلة” إلى تجربة السفر هذه.
(P17) تُظهر الاكتشافات المتزايدة لحطامِ السفن من القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر في المياه الصينية ازدهارَ التجارة على طول هذا الطريق البحري. كان حطامُ سفينة باتو هيتم، الذي تمَّ اكتشافه في جزيرة بليتون، إندونيسيا، في عام 1998، لسفينةٍ عربية تَحمل سلعًا صينية وغرقت أثناء رحلتها العودة إلى بلاد العرب. احتوي الحطام على وعاء بورسلين منقوش ٍ عليه “السنة الثانية من باولي (826 م)”، مِمَّا يُشير إلى أنَّ الحطامَ قد يَعود إلى النصف الأول من القرن التاسع الميلادي، وهي الفترة المتأخرة من سلالة تانغ.
(P18) تنتمي معظم السلع التي تمَّ اكتشافها في حطامِ سفينة باتو هيتم إلى مصانع تشانغشا، وكانت واحدة من الفئات الرئيسية للبورسلين المُصدَر خلال الفترة المتأخرة من سلالة تانغ. كانت هذه الأنواع من البورسلين شائعة أيضًا في المواقع الأثرية من نفس الفترة في مقاطعة قوانغدونغ، مِمَّا يُظهر أنَّ قوانغتشو والمدن الأخرى كانت مراكز توزيع لبورسلين تشانغشا.
(P19) تمَّ اكتشاف بورسلين من مصانع شيويتش Klin وغاومينغ Klin أيضًا في حطام ِ سفينة باتو هيتم، مِمَّا يوضح أنَّ البورسلين المُصنَّع في مقاطعة قوانغدونغ تمَّ تصديره إلى المنطقة العربية أيضًا.
(P20) تمَّ استخدام الجِرار القوانغدونية، وهي جِرار تخزين مُزَجَّجة باللون الأخضر ذاتَ أربعةُ مقابضَ، التي تمَّ إنتاجها في قوانغدونغ، لتخزين بورسلين تشانغشا في حطام سفينة باتو هيتم. يُمكِن الحُكم على أنَّ السفينة رَستْ في قوانغتشو لشراء الجِرارِ القوانغدونية. تمَّ اكتشاف هذه الجِرارِ القوانغدونية فيLingdingyang، مدينة تشوهاى، وكانت مُحملةً بـ 12 وعاء مُزَجَّج باللون الأخضر، وهي تشترك في نفس وظيفة الجِرارِ القوانغدونية في حطام سفينة باتو هيتم، ومن المحتمل أنها كانت أيضًا مشحونة إلى غرب آسيا.
(P21) بعد 30 عامًا من الحفريات الأثرية التي انتهت عمومًا في الوقت الحالي، تمَّ التأكد من أنَّ حطامَ السفينة نانهاي Ⅰ، الذي تمَّ اكتشافه في منطقة مياه يانغجيانغ في عام 1987، هو لسفينةٍ تجاريةٍ صينية مُحملةٍ بسلع ٍ مُصدَّرة مثل البورسلين والأدوات الحديدية والذهبية واللاكيه. غرقتْ هذه السفينة في عام 1183، أي في منتصف عصر سلالة سونغ الجنوبية.
(P22) تُوفر الزخارف الذهبية الثمينة ذات القيمة التجارية العالية على حطام السفينة نانهاي Ⅰ أدلةً مَوثوقَةً لتحديد وجهتها. تتميز غالبية هذه الزخارف الذهبية بخصائص غرب آسيا مثل هذا العقد الذهبي. يعتقد بعض العلماء أنَّ الألواح على الجانبين مع ثلاث أو اثنين من السلاسل تُشكلُ شكلَ الهلال الذي ينشأ من غرب آسيا ويُمثل القمر المقدس. خلال القرن التاسع إلى القرن الثالث عشر، كان شكلُ القمرِ مُستخدمًا على نطاق ٍ واسع في الزخارف الذهبية في غرب آسيا. شَكل القرط ِالذهبي مُشابهٍ أيضًا للقرط الذهبي الذي تمَّ اكتشافه في السعودية.
(P23) معظم هذه المجوهرات الذهبية هي منتجات شبه مُصنعةٍ غير مصقولةٍ أو دون إدخال أحجار كريمة. من الواضح أنَّ عملية إدخال الأحجار الكريمة ستكتمل في أو بالقرب من ميناء الوجهة قَبل الدخول في عملية البيع. إنَّ إدخال الأحجار الكريمة هي تِقنية تقليدية لتزيين الأدوات الذهبية في غرب آسيا. وبالنظر إلى الخصائص الغربية لهذه المجوهرات الذهبية، يعتقد المؤرخون أنها سلعٌ مخصصةٌ ستُباع، وتتمَّ معالجتها بشكلٍ أكبر في غرب آسيا. وبالتالي، فـ مِن الواضح أنَّ غربَ آسيا كانت الوجهة الرئيسية لحطام نانهاي Ⅰ.
(P24-P25) تختلف هذه السلسلة الذهبية بطول 172 سم المستوحاة من غرب آسيا عن السلع الذهبية الأخرى المكتشفة من حيث الشكل والطول والوزن. تشير العلامات الطفيفة للاستخدام على الخطاف والإبزيم إلى أنَّ هذه السلسلة لم تَكنْ سلعة بل كانت ممتلكات شخصية لضيف ٍ أجنبي أو تاجر ذو مكانةٍ اجتماعية نبيلة عادَ إلى غرب آسيا.
(P26) كانت البورسلينات المُكتشفة في حطامِ “نانهاي Ⅰ” مُصنعة أساسًا في مصانع لونغتشوان، وديهوا، وشيزاؤ، وجينغدزه، والتي كانت الأنواع الرئيسية المصدرة إلى غرب آسيا وبعض المناطق الأجنبية الأخرى.
(P27) باستثناء الأنواع الشائعة المذكورة أعلاه، كانت بعض البورسلينات مُخصصة لتناسب عادات المعيشة للناس في غرب آسيا أو المسلمين. كانت المزهرية البيضاء المُزَجَّجة على شكل قرع، المزهرية البيضاء من مصنع ديهوا، والزجاجة المُزَجَّجة الخضراء من مصنع شيزاؤ تُستخدم لتخزين العطور والتوابل. تأثر شكل وزخرفة هذا الطبق المُزَجَّج الأخضر ذو الحافة الزهرية من مصنع شيزاؤ بأدوات الذهب والفضة السغدية في غرب آسيا. لذا، هذا طبق مخصص لغرب آسيا. كان الكندي في الأصل جهاز تخزين الماء في الهند، ثم استخدم ككالا من قبل البوذيين. بعد القرن الثاني عشر، أصبح الكندي شائعًا بين المسلمين وتمَّ الطلب عليه بكثرة. لذا، تمَّ تصنيع عدد كبير من الكنديات وتصديرها في مصانع قوانغدونغ وفوجيان.
(P28) تمَّ تصنيع عدد كبير من الجِرارِ القوانغدونية التي تعمل كحاويات في مصانع وينتوولينغ وكيشي في نانهاي، قوانغدونغ. تُظهر الأختام على الجَرة أنها كانت تُستخدم لتخزين الحبوب والكحول أثناء الرحلة، مِمَّا يؤكد أنَّ قوانغتشو كانت آخر ميناء لها حيث حصلت على مُؤنِها. كانت أطلال شارما في اليمن ميناء دوليًا مُهمًا في جنوب شبه الجزيرة العربية في القرنين التاسع إلى الثاني عشر. إنَّ اكتشاف جَرة من مصنع نانهاي هناك يؤكد وجود طريق بحري بين قوانغدونغ وغرب آسيا في سلالة سونغ الجنوبية (1127-1279).
(P29) كانت البورسلينات ذات الجودة العالية المُزَجَّجة باللون الأخضر من مصنع لونغتشوان تُصَدَّر ليس فقط إلى غرب آسيا ولكن أيضًا إلى المناطق الساحلية حول البحر الأبيض المتوسط وإلى الدول الأوروبية الأبعد عَبرَ البحر بعد عبور قناة السويس من شمال البحر الأحمر خلال سلالة يوان (1206-1368) وسلالة مينغ (1368-1644). وكانت الأطباق المصنوعة في مصنع لونغتشوان تُناسب عادات تناول الطعام في الدول الإسلامية. كما كانت تُستخدم كهدايا دبلوماسية للضيوف الأجانب من قِبل حكام غرب آسيا.
(P30) بعد عصرِ الرحلات الكبرى في القرن الخامس عشر، بدأت الصين وغرب آسيا بالاندماج تدريجيًا في نظام التجارة البحرية العالمي الجديد. استبدلَ الأوروبيون العرب في القيام بالتجارة البحرية مع التجار الصينيين، مِمَّا أدى إلى تقليل ٍ حاد ٍ في التواصل المباشر بين قوانغدونغ والدول الإسلامية في غرب آسيا. ومع ذلك، تمَّ دمج الحضارة الإسلامية في غرب آسيا في الثقافة القوانغدونية إلى حدٍ ما.
(P31) يُعتبر البورسلين الأزرق والأبيض مَزيجًا مِثاليًا من تقنيات تصنيع البورسلين المتقدمة في الصين مع الألوان والتصورات الجمالية لغرب آسيا. من بين البورسلين الأزرق والأبيض المُصَدَّر إلى أوروبا عَبرَ مقاطعتي فوجيان وقوانغدونغ خلال القرن السادس عشر إلى السابع عشر، كانت الكنديات، التي كانت شائعة في الدول العربية، تَحظى أيضًا بترحيب ٍ من الأوروبيين. كما أنَّ صور الحيوانات مثل الأسد والكيلين، التي نشأت من غرب آسيا، كانت تُستخدم بشكل متكرر ٍ على البورسلين الأزرق والأبيض المُصَدَّر و المُصَنَّع في راوبينغ، مقاطعة قوانغدونغ، وزانغتشو، مقاطعة فوجيان.
(P32-33) يُعتبر بورسلين كانتون نوعًا من الأعمال الفنية من البورسلين المُزَجَّج الذي تمَّ تَصنيعه للتصدير في قوانغتشو خلال سلالة تشينغ (1644-1911)، حيث كانت الأشكال والنقوش تُقلِد بشكل ٍ كبير الأشكال الفنية الغربية. كانت بورسلينات كانتون المُخصصة التي صُدِّرَت إلى المنطقة العربية تتكون أساسًا من الأوعية والأطباق التي تَحمل نَقوشًا على المساحات الفارغة من البورسلين مُزَيَّنة بنقوش ٍ تقليدية. كان هذه الوعاء المُزَجَّج المُلَّوَن مع صور وشعارات فارسية من فترة الإمبراطور داو غوانغ، سلالة تشينغ، مُزَيَّن بصورٍ ومَشاهدَ من الحياة على الجانبين الداخلي والخارجي. هناك نقوش ٍ باللغة الفارسية على المساحة الفارغة من الجانب الخارجي تقول: “أمَرَ بها شاه فيروز من إيران (أمير فيروز) للاستخدامِ في الولائم في 1850-1851”.
(P34) أبناء العرب الذين استقروا في قوانغتشو خلال سلالة تانغ وسلالة سونغ يتوزعون في قوانغتشو والمناطق المحيطة بها اندمجوا تمامًا في الثقافة الصينية. واسم العائلة “Pu” هو ترجمة لكلمة “أبو” أو “ابن” باللغة العربية. من بين العائلات البارزة هي عائلة بو شوجنغ في كوانتشو خلال سلالة سونغ الجنوبية. وفقًا لشجرة عائلتهم، فإنَّ أسلاف “بو” هم مِن الشعب السامو من المناطق الغربية. استقروا في قوانغتشو ثم هاجروا إلى كوانتشو وبعض الأماكن الأخرى. منذ العصر الحديث، أكَدَّ العديد من العلماء أنَّ أسلاف عائلة “بو” قد جاءوا من غرب آسيا.
(P35) في نهر التاريخ الطويل، تطورت الحضارة الصينية والحضارة الإسلامية من خلال تبادل ٍ مُمَيَز ٍ وعميق ٍ وتَعلُم متبادل. في المستقبل، ستتعاون الحضارتان سويًا، بناءً على احترام التنوع والسعي نحو التكامل، لتعزيز ازدهار وتطوير الحضارة الإنسانية. ستصبح الاتصالات والتعلم المتبادل بين الحضارتين قوة دافعة قوية من أجل السلام والتنمية العالمية. على طول الطريق البحري العظيم واستمرار التجارة البحرية والاتصالات التي تَمتدُ لآلاف السنين، نَعتقد أنَّ التبادل الوِدِّي بين قوانغدونغ وغرب آسيا سيكتب فصلًا جديدًا ورائعًا تحت مبادرة الحزام والطريق.
(P36) مع خالصِ الشكر والتَّقدير لطِيبِ استماعكم.