المعالم الثقافية في تركستان:
شاهدٌ على تبادل الثقافة عبر طريق الحرير والتفاعل الحضاري بين الصين والدول العربية

 

متحف منطقة شينجيانغ الويغورية ذاتية الحكم، الصين
يو تشييونغ
أكتوبر 2024

 

الحضور الكريم …. السلامُ عليكم أنا يو تشييونغ، أمين المتحف وعالم الآثار في متحف شينجيانغ في الصين.
إنني ممتن جدًا للمُنَظِمِينَ  في دولة الكويت الصديقة، لدعوتي للمشاركة في هذا المؤتمر، وذلك لمراجعة التبادلات الوِديَّة بين بَلَديْنَا، وإلقاء الضوء على التاريخ المديد من التبادلات بين الحضارتين الصينية والإسلامية، وتنفيذ مبادرة الحضارة العالمية، وتعزيز تبادل التراث الثقافي بين الصين والكويت، وتعزيز التبادلات الثقافية والتعلم المتبادل، وتطوير العلاقات الثنائية بشكل مُجْدٍ في العصر الحديث.
في 30 مايو 2024، عُقد المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون بين الصين والدول العربية في بكين. ألقى شي جين بينغ، رئيس الصين، خطابًا بعنوان “تعزيز التعاون بشكل أعمق والمضي قُدُمًا لبناء مجتمع صيني عربي مشترك للمستقبل”. وقد اقترح أنْ تعمل الصين والدول العربية على بناء خمسة أُطُرٍ للتعاون بشكل مشترك.
أشارَ الرئيس شي إلى أنَّ الصداقة بين الشعبين الصيني والعربي مُتجذِرة بعمق في تبادلنا الودِّي على طول طريق الحرير القديم، وفي نضالنا المشترك من أجل التحرر الوطني، وفي تعاوننا الهادف إلى تعزيز التنمية الوطنية. كـ عَالمِ آثارٍ تاريخي، أنا مهتمٌ بشكل خاصٍ بالملخص المُكثَّف حول “الصداقة بين الشعبين الصيني والعربي المتجذرة بعمق في تبادلنا الودِّي على طول طريق الحرير القديم”. اليوم، بناءً على اقتراح المنظمين للمؤتمر، أودُّ أنْ أشارككم موضوع “المعالم الثقافية في شينجيانغ: شاهدٌ على تبادل الثقافة عبرَ طريق الحرير والتفاعل الحضاري بين الصين والدول العربية”.

مقدمة

قبل استعراض موضوع المحاضرة، سَأقدِمُ لكم مقدمةٌ موجزة حول الوضع الأساسي للموارد التاريخية والثقافية في شينجيانغ في الصين.
الصين دولة موحدة مُتعددة القوميات. على مدارِ أكثر من 5000 عام من الحضارة، تعاونتْ جميع القوميات في فتح أراض ٍ شاسعة، وخَلَقتْ دولة موحدة متعددة القوميات، وكتبت تاريخًا مَجَيدًا للصين، وابتكرتْ ثقافة صينية رائعة، ورَعَتْ روحًا وطنية عظيمة.
شينجيانغ هي أكبر محافظة في الصين، حيث تبلغ مساحتها الإجمالية 1.66 مليون كيلومتر مربع، ويبلغ إجمالي عدد سكان جميع القوميات 26 مليون. كانت شينجيانغ منذ العصور القديمة مكانًا يضم قوميات ٍ متعددة وتتعايش فيه الديانات المختلفة بشكل سِلميّ. في الوقت نفسه، تُعدُّ شينجيانغ المنطقة الأساسية لحزام طريق الحرير الاقتصادي، ومكان تجمع الحضارات الشرقية والغربية، حيث رَبطتْ الصين القديمة بـ بقية العالم من خلال طريق الحرير الشهير.
تَتمتع شينجيانغ بمناظر طبيعية رائعة، ومناظر تاريخية وثقافية، وعادات ثقافية ملونة، وموارد ثقافية وسياحية فريدة. باعتبارها مكانًا التقت فيه الحضارات الشرقية والغربية في العصور القديمة، تركت شينجيانغ، بثقافتها الصينية المتنوعة والمتكاملة، فصولًا مجيدة في تاريخ الصين ولعبت دورًا مُهمًا في تبادل الثقافات والتعلم المتبادل على طول طريق الحرير.

 

تمتلك شينجيانغ تراثًا تاريخيًا وثقافيًا فريدًا، بما في ذلك المواقع التاريخية، والمنسوجات، والمستندات، والتماثيل، واللوحات الجدارية، و زِي الجثث القديمة الجافة، وغيرها من الكنوز، التي لها قيمة كبيرة لدراسة التاريخ القديم في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والتاريخ العلمي والتكنولوجي وتاريخ التبادلات الثقافية على طولِ طريق الحرير.
تَكمُن القيمة التاريخية والأثرية لموارد التراث التاريخي والثقافي في شينجيانغ في أنها دليلٌ على تشكيلِ دولةٍ موحدة متعددة القوميات؛ و دليلٍ على تواصل القوميات المتعددة وتبادلها واندماجها؛ وشاهد تاريخي على التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات على طول طريق الحرير، والإنجازات والمساهمات للثقافة العلمية والتكنولوجية في الصين القديمة.
في عام 2014، تمَّ إدراج ستة مواقع مهمة للتراث التاريخي والثقافي في شينجيانغ ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي لليونسكو.
في عام 1986، أشارَ عالم مشهور، جي شيانلين، إلى أنَّ هناك أربعة أنظمة ثقافية فقط في العالم ذات تاريخ طويل، ومساحة شاسعة، ونظام مستقل، وتأثير بعيد المدى: الصين، الهند، اليونان، والإسلام، ولا يوجد خامس، وتلتقي هذه الأنظمة الثقافية الأربعة في مكان ٍ واحد ٍ فقط، وهو دونهوانغ وشينجيانغ في الصين، ولا يوجد مكان آخر.
إنَّ ما تملكه شينجيانغ من مُميزاتٍ ومزايا في موارد التراث التاريخي والثقافي – اكتشاف آثار علمية وتكنولوجية قديمة وتحليل علم الآثار التكنولوجية – قد غيّرَ باستمرار ٍ فَهْم الناس للتاريخ وتفسير القيم الثقافية، وأيضًا عَمَّق ووَسَّعَ إدراك الناس لسياق التاريخ وتفاصيل التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية والتعلم المتبادل.

 

تاريخيًا، أظهرت الاكتشافات الأثرية أنَّه في وقت ٍ مبكر من عام 2000 قبل الميلاد، كانت التبادلات بين الحضارتين التاريخيتين الشرقية والغربية موجودة بالفعل. من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن السابع الميلادي، ويحتوي الأدب الصيني على العديدِ من السجلات التاريخية للبلدان القديمة في آسيا الوسطى وغرب آسيا.
كما تحتوي الوثائق الصينية والعربية على سجلات ٍ غَنية للتبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية في عصور أسرة تانغ وسونغ ويون، والتي تعكس بوضوح حقائق تاريخية رئيسية من خلال دمجها مع سلسلة ٍ من الاكتشافات الأثرية:
أنَّ الشعوب القديمة من الشرق والغرب (العرب، الصينيون، وما إلى ذلك) أسَّست شبكة اقتصادية لطريق الحرير. وكما أشار بعض المؤرخين، أنَّ هذه الثقافة ازدهرت في عصور أسرة تانغ وسونغ وازدهرت في أسرة يوان، وقد حَقَّقت التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية نتائج مثمرةً.
في العصر المُزدهر لطريق الحرير، حقَّقت الثقافتان الصينية والعربية إنجازاتٍ غنية ومساهماتٍ كبيرة في الحضارة العالمية، وأدَّتْ التبادلات الثقافية والتقارب إلى تَقَدمِّ الحضارتين العظيمتين.

 

تنقسم محاضرتي إلى ثلاثة أجزاء:
أولًا، التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية قبل عهد أسرة هان كما يَظهر في المعالم الثقافية في شينجيانغ.
ثانيًا، التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية من القرن الأول إلى القرن السابع كما يَظهر في المعالم الثقافية في شينجيانغ.
ثالثًا، التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية من القرن السابع إلى القرن الثالث عشر كما يَظهر في المعالم الثقافية في شينجيانغ.

 

يجب تأكيد إشعار:
A
. تعريف الزمن التاريخي

(1) منذ 4000-2000 سنة
(2)
من القرن الأول إلى القرن السابع: فترة الحضارة ما قبل الإسلام في التاريخ العام للعربِ.
(3)
من القرن السابع إلى القرن الثالث عشر: فترة ازدهار الحضارة الإسلامية في التاريخ العام للعربِ.

  1. تعريف بعض المفاهيم التاريخية والثقافية

في محاضرة اليوم، أشرتُ بشكلٍ رئيسي إلى الإنجازات المهمة للعَالِم المعروف، الأستاذ فيليب ك. حتي، في تاريخ العرب العام، الذي يتضمن عرض تاريخ العلوم الإنسانية في العالم العربي، والعِرق، والجغرافيا، واللغة، والثقافة وغيرها من الأجزاء. لذلك فـ أنا مُمْتنٌ له لتقديمهِ بشكل منهجي تاريخ الشعوب الأصلية في شبه الجزيرة العربية وجميع الشعوب الناطقة بالعربية، بالإضافة إلى قصة ازدهار الحضارة العربية ومساهمتها العظيمة في النهضة الأوروبية في هذا العمل الكلاسيكي المعروف لتاريخ العرب.

. I   الروابط الثقافية بين الصين والدول العربية قبل عهد أسرة هان كما تَظهر في المعالم الثقافية في شينجيانغ

منذ 2000 سنة، كانت الصين وشبه الجزيرة العربية مركزًا للتبادلات الثقافية الإقليمية، وسأركزُ على تقديم الجوانب الثلاثة التالية من مواد الآثار في شينجيانغ:

.1 اكتشاف القمح سُداسي الصيغة الجينية
تمَّ اكتشاف عينات قيمة من القمح في مواقع قبور المستوطنات القديمة في واحة صحراء تكلمكان ويدمج نهر تاريم في شينجيانغ، تعود إلى 4000 إلى 3600 سنة مَضتْ. تُظهِرُ الدراسات الجينية للنباتات أنَّ أصلَ هذا القمح السداسي الصيغة الجينية كان في منطقة نهري في غرب آسيا. يُظهر اكتشاف عينات القمح أنَّه في وقت ٍ مبكر ٍ من حوالي 4000 سنة مَضتْ، كانت هناك تبادلات في المواد والتكنولوجيا، فضلًا عن تراكم وتحديث المعرفة البشرية المدفوعة بنشاطاتِ الهجرة للقوميات. كما كشفت الآثار أنَّ لهذه التكنولوجيا تأثير على شينجيانغ بسبب تِقنيات زراعة القمح إلى الشرق، والتي تتلائم مع تقنيات زراعة الدخن (القوميات) على طول ممرِ هيكسي في المنبع والوسط لنهر هوانغ خلال نفس الفترة.

 

. 2 خرز زجاجي
تمَّ اكتشاف عددٍ كبيرٍ من أنواع الخرز الزجاجي في المقابر والمواقع في شينجيانغ، تعود إلى 3300-2300 سنة مضت. تُظهر التحليلات العلمية والتكنولوجية الأثرية أنَّ العديد من زينةِ هذا الخرز (بما في ذلك خرز الفاينس) كانت شاهدةً على تبادل/تجارة الثقافة المادية بين الشرق والغرب خلال فترة ما قبل طريق الحرير. وقد تكون منطقة الشرق الأدنى وهضبة إيران هي المصادر الرئيسية لهذا الخرز.

.3 رؤوس الصولجان الحجرية والجاد (فأس من الجاد(
تمَّ العثور على العديد من رؤوس الصولجان الحجرية والجاد بالقرب من المقابر والمواقع حول محيط حوض تاريم في شينجيانغ، تعود إلى 4000-2200 سنة مضت، وتَتمتع بشكل ووظيفة مشابهة: وهذا يُشير إلى أنَّ هذا النوع من الأغراض هو رمز وعلامة للملكية القديمة، ودليل مادي هام يعكس تغييرات التنظيم الاجتماعي من خلال الدراسة المقارنة للحضارات في أزمنة وأماكن مختلفة. تمَّ العثور على رؤوس الصولجان في الحضارة المصرية القديمة وحضارة ما قبل التاريخ في غرب آسيا وآسيا الوسطى. في نظام الحضارة الصينية القديمة، تُعدُّ رؤوس الصولجان تجسيدًا للسُلطة والملكية والقوة الإلهية، ولا توجد فقط رؤوس الصولجان، بل أيضًا فأس الـ “فو يوي“.

II  .تبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية قبل عهد أسرة هان كما تَظهر في المعالم الثقافية في شينجيانغ

 

كما نَعلمُ جميعًا، تَواصلت الصين القديمة رسميًا مع آسيا الوسطى وغرب آسيا في عام 138/119 قبل الميلاد عندما أرسل الإمبراطور وو من أسرة هان تشانغ تشيان في مهمتينِ إلى المناطق الغربية. في عام 60 قبل الميلاد، أنشأت حكومة هان الغربية إدارة Xiyu Duhu (أعلى ضابط إدارة عسكرية) في المناطق الغربية، والتي بدأت تملك الولاية على شينجيانغ. هناك مواد وفيرة في المعالم الثقافية في شينجيانغ تظهر التبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية من القرن الأول إلى القرن السابع قبل الميلاد. أريدُ أنَّ أُقدمَ بشكل ٍ رئيسي الأدلة التالية:

  1. 1 . سجادة صوفية بتصميم قنطور ومحاربٍ
    تمَّ العثورعلى هذه القطعة في مقبرة سامبولا في مقاطعة لو بو، منطقة هوتان (مكان يُنتج الجاد). يُمكِن تأريخها إلى القرن الثاني والثالث الميلادي. أشارَ العلماء إلى أنَّ زخرفة هذه القطعة تحتوي بوضوح على تقاليد ثقافية يونانية رومانية، ومن المحتمل أنَّ يكون أصلها من روما القديمة أو بيزنطة. لقد تمَّ العثور على مثل هذه القطعة في شينجيانغ، ولا شك أنها كانت سلعة تجارية عبر غرب آسيا وآسيا الوسطى الحالية. تَركت أنماط القنطور والمحارب أثرها في الدوائر الأكاديمية حتى يومنا هذا سواء في فن التصميم أو في النسيج.
  1. رداء من القماش الصوفي مزين بأنماط شخصيات وجه لوجهٍ، وأشجار، وحيوانات
    كانت هذه هي ملابس الجثث الذكرية التي تمَّ العثور عليها من مقبرة ينغبان، في مقاطعة يولي، غرب موقع مدينة لولان الأثرية الشهيرة، التي تمَّ اكتشافها في عام 1995، وتعودُ فترة المقبرة إلى القرن الثاني والثالث الميلادي. في بداية الحفريات، أبدَى علماء الآثار دهشتهم من نمطِ الشخصيات الرائع، وأعلنوا مباشرةً أنَّ صاحب القبر لابد أنَّ يكون تاجرًا غنيًا من الغرب. لقد نُوقِشت هُوية صاحب القبر بشكل مفصلٍ، ولا أتفق مع ذلك. فـ فيما يتعلقُ بأصل هذا الرداء من القماش الصوفي وحده، أعتقد أنَّ هناك توافقًا أساسيًا في الأبحاث الأكاديمية الدولية على أنَّ الأصل يجب أنْ يكونَ من وسط وغرب آسيا أو بيزنطة؛ هذه الملابس الفاخرة يجب أنْ تكون سلعًا فاخرة ذاتَ قيمةٍ عاليةٍ، وقد تكون سلعة تجارية، أو تحتوي على هدية ٍ سياسية خاصة.

1 . قماش سجادة صوفية مزين بأنماط لشخصيات متغيرة الشكل وحيوانات
تمَّ الحِفاظ على العديد من الأقمشة الثمينة من الصوف والحرير والشرائح الخشبية بسبب المناخ الخاص والظروف البيئية في هوتان. تمَّ العثور على القماش الصوفي المُستخدم في هذه الملابس من مقبرة سامبولا في مقاطعة لوبو في القرنين الثاني والثالث الميلادي. تتميز هذه الأقمشة الصوفية بجودةِ نَسْجِها وتصميم أنماطها، ولها تأثير بصري قوي. استنادًا إلى التحليل المنهجي لموادها الخام وتقنياتها ومنتجاتها، يجب أنْ تنتمي إلى المنتجات المحلية القديمة في كوتان – وعلى وجه الخصوص سلينديا، بينما ومن خلال التحليل المعقد لتقنيات التصنيع، تأثرتْ تِقنيتها بتِقنيات التصنيع في آسيا الوسطى وآسيا الغربية. الكلمات المتعلقة بالأقمشة الصوفية مثل氍毹”“毾㲪”“氆氇في الأدب الصيني، يَعتقد بعض العلماء الصينيين أو الدوليين أنها كلمات مُستعارة من لغة أجنبية، تعكس انتشار وتأثير التكنولوجيا والثقافة عبر التاريخ.
هذه الأقمشة الصوفية ذات التصاميم الرائعة والحرفية الدقيقة، بما في ذلك الرداء الأحمر المذكور أعلاه، لابد أنها جَذبتْ انتباه المسافرين التجاريين والرسل. أعطى بان غو، الكاتب الصيني الشهير، رسالة لأخيه بان تشاو (ضابط الإدارة العسكرية في قيادة الحدود الغربية)، يطلب منه مساعدة في شراء أقمشة صوفية فاخرة، وخيول، وتوابل (أعشاب طبية) في المناطق الغربية. الكلمة الصينية毛罽المذكورة في الرسالة من المُرجح أنْ تكون تَخصصًا فاخرًا للنبلاء والأمراء الذين يعيشون في تشانغان و لو يانغ، عاصمة أسرة هان.

 

تبادل الحرير والتكنولوجيا                                     .3
الصين هي البلد الذي تمَّ فيه اختراع الحرير. لقد أظهرت الاكتشافات الأثرية للمنسوجات الصينية على مدار المئة عامٍ الماضية إنجازات ثقافة النسيج الحريري الصينية والإسهامات المهمة للحضارة الصينية في الحضارة العالمية. هذه الصورة هي من الأقمشة المُذهَّبة من سلالة هان، التي تمَّ اكتشافها في واحةٍ قديمة على الحافة الجنوبية لصحراء تاكلماكان، وهي الأكثر تمثيلًا من القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن الثاني الميلادي. من بين هذه الأقمشة، يوجد نسيج يَحملُ الكتابة الصينية “يوان هي يوان نيان” (تعني “يوان هي يوان نيان” 84 ميلادية) وهو المنتج الوحيد في العالم الذي يَحملُ هذا الاسم. يتم إنتاج هذا النوع من النسيج بشكل رئيسي في مقاطعات هنان وشاندونغ وهيبي وسيتشوان في الصين.                                              
بعد الحكم الفَعَّال والنفوذ في شينجيانغ خلال سُلالة هان، تمَّ فتح طريق الحرير. انتشرت صناعة الحرير وتقنياتها أيضًا إلى وسط آسيا وحتى الشرق الأوسط والشرق الأدنى وأوروبا. يُعتبر الحرير المُكتَشَف في موقع تدمر بسوريا من الأدلة المهمة، مثل النسيج الذي يحمل نمط “جيد بي” (طبق)، والحرير الذي يحتوي على أنماط ٍ متعددة. وفقًا لسيرة وي ليف: سجلات قومية شيرونغ، لم تكن منطقة سوريا، التي كانت تنتمي إلى الإمبراطورية الرومانية، قد تَعلَّمت بعد طريقة تربية ديدان القز الصينية في ذلك الوقت.                                        

في سلالتي هان وجين، ومع ازدهار التجارة على طول طريق الحرير، كانت هناك هدايا متكررة من المناطق المحيطة، لذا فإن المصدر الأول للعديد من الكنوز يجب أنْ يكون هدايا أو تعهداتٍ.
في عام 119 ميلادية، قامَ تشانغ تشيان بمهمتهِ الثانية إلى المناطق الغربية، مارًا بدوان، وكانغجو، ودايوزهي، ودكسيا، وأنشي، وشيندو، ويوتيان وغيرها من الأماكن. “ليشيون” تُشير إلى مدينة الإسكندرية في مصر؛ و”تياؤوتشي” تُشير إلى المنطقة المحيطة بالبصرة في العراق (جنوب العراق الحالي). في عام 97 ميلادية، أرسلَ بان تشاو غان ينغ إلى البحر الغربي وعادَ، كما أرسلت منغكي ودول هدايا إلى الحكومة الهانية. منغكي ودول هُما من منطقة مقدونيا في الإمبراطورية الرومانية. لذلك، تمَّ جلب كميات ٍ كبيرة من الحرير إلى وسط آسيا وغرب آسيا من قِبل المبعوثين الصينيين.
بحلول القرن السادس، تمَّ إدخال ديدان القز وتربية ديدان القز الصينية إلى غربِ آسيا. تمَّ تسجيل ذلك في الأدبيات الصينية مثل “كتاب أسرة تانغ الجديدة” وسيرة “المناطق الغربية”، وسجلات “المناطق الغربية في سلالة تانغ الكبرى”.
يُطابِق محتوى هذه اللوحة الفنية التي عَثَرَ عليها ستاين في هوتان عام 1901 الحقائق التاريخية ذات الصلة. في القرن السادس، سجَّلَ مؤرخ روماني شرقي يُدعى بروكوبيوس (500-565) أنَّ راهبين فارسيين أخفيا بذور ديدان القز في قصبان من الخيزران وأحضروها من الصين إلى القسطنطينية، ليقدموها للإمبراطور جستنيان في الإمبراطورية الرومانية الشرقية.

5 . الأواني المطلية بـ اللاكيه
الأواني المَطليَّة بـ اللاكيه هي أيضًا اختراع تكنولوجي مهم في الصين القديمة، وتَحظى بمكانةٍ مهمة في تاريخ الحضارة الصينية. مع الحُكم الموحد لـ بلدٍ مُتعدد الأعراق في شينجيانغ، ظهرت الأواني المطلية بـ اللاكيه، والحرير، والذهب، والمرايا النحاسية وغيرها من الأشياء المهمة كهَديةٍ بشكل مستمر ٍ في مدن الواحات في المناطق الغربية. في مدينة لوولان القديمة وموقع نيا، تمَّ اكتشاف الأواني المطلية باللاكيه بشكل متتابع ٍ، والتي تُمثل المواقع أو المقابر الرفيعة المستوى من القرن الثاني إلى القرن الخامس الميلادي. ويُعتقد أنَّ أصلها يَعودُ إلى مقاطعات شنشي وسيتشوان وقانسو وهوبى وغيرها في الصين.
بعض الأواني الثمينة المطليَّة بـ اللاكيه، التي تمَّ اكتشافها في كنز بيغرام في أفغانستان والمقابر من القرن الأول والثاني الميلادي في شبه جزيرة القرم بأوكرانيا ينبغي أنْ تكون قد جاءت من شمال غرب الصين. ونعتقد أنَّ شينجيانغ، باعتبارها مكانًا مهمًا للتبادل بين الحضارات الشرقية والغربية، قد حافظت على الكنوز ذات الصلة في غرب آسيا والشرق الأوسط.

6 .الأواني الزجاجية والخرز
مع ازدهارِ طريق الحرير، كانت هناك تبادلات اقتصادية وثقافية متكررة، وتمَّ تنفيذ التبادلات  – عَبرَ المناطق –  للكنوز بشكل أكبر عن طريق التجارة والتجارة. وفقًا للمستندات في عهد سلالة هان، كان هناك ازدهارٌ في التجارة البحرية في ذلك الوقت. وأظهرَ تحليل التركيب للأواني الزجاجية المكتشفة من هذه المواقع المهمة على الطرق الشمالية والجنوبية لطريق الحرير من القرن الثاني إلى القرن الخامس الميلادي، مثل موقع نيا في مقاطعة مينفنج، ومقبرة يينغبان في مقاطعة يولي، وموقع سينموسام في مدينة كوقا، أنَّ أصلهَا كان من وسط آسيا، والشرق الأدنى، وأماكن أخرى. كما تمَّ العثور على قرط ٍ زجاجي مزخرف بنمط ٍ وجه من مقبرة يينغبان في مصر والشرق الأوسط.
في العصور الوسطى، على طول حزام طريق الحرير الاقتصادي، كانت الأواني الزجاجية الأكبر (الأطباق، الكؤوس، والأكواب) المكتشفة من قبور الأمراء والنبلاء غالبًا ما كانت هدايا وسلع فاخرة ذات صفاتٍ سياسية.

III . تبادلات ثقافية بين الصين والدول العربية من القرن السابع إلى الثالث عشر كما تُرى في آثار شينجيانغ الثقافية

في نهاية القرنين السابع إلى التاسع، أدَّى الاستقرار الاجتماعي والسياسي والازدهار الاقتصادي لسلالة تانغ، وازدهار تجارة طريق الحرير، إلى تعزيز الاتصال بين الصين وبقية العالم، مِمَّا أسهمَ في ازدهارِ الأنشطة التجارية والتنمية الاقتصادية في المناطق الغربية.
كان طريق الحرير يربط بشكل وثيق بين الصين القديمة والدول الأجنبية. وكانت الثقافات المادية والروحية للشرق والغرب تتبادل وتتصادم باستمرار ٍ في شينجيانغ. انتشرت الثقافة الصينية والثقافة الإسلامية من الشرق إلى الغرب، وتفاعلتْ الحضارتان في شينجيانغ.

مثال يُثبت أنَّ فترة كاييوان في سلالة تانغ كانت مزدهرة: ملف طلب جواز سفر من تانغ يي تشيان وآخرين، تمَّ اكتشافه في مدينة توربان؛ المحتوى هو أنَّه في يناير 733، قامَ أفراد عائلة المسؤولين المعنيين بتقديم طلب للحصول على “غوسو” (جواز سفر) من شيزهو إلى فوزهو، بهدف المرور عَبرَ يومن، جينتشينغ، وولان، دازهن، تونغ، وبوجين وغيرها من المنافذ. وهذا يَدُلُّ على أنَّ المناطق الحدودية والمقاطعات تعاملت مع إجراءات الطلب للنقل وفقًا للنظام القانوني الوطني في سلالة تانغ.
لقد كان المسار يمتدُ حتى 11,696 لي (5263.2 كم)؛ وكان يستغرق حوالي 6 أشهر. لكن إنجاز هذا المرور في يومٍ واحدٍ يُشير إلى كفاءة الإدارة العالية. تاريخيًا، أثبت هذا المستند بعمقِ الحَوْكَمة الفَعَّالة والنفوذ الحكومي للحكومات المركزية المتعاقبة على شينجيانغ. تُظهر هذه الأرشيفات التاريخية الإدارية الرسمية أنَّ للأمة سيادة تاريخية ونفوذ على شينجيانغ.

أريدُ أيضًا تقديم مثال على التفاعلات السياسية بين سلالة تانغ  و  (الإمبراطورية العربية)
من 785 إلى 788، تمَّ تعيين يانغ ليانغياو (735-806) كـ موفدٍ في داعي. كان الطريق هو طريق الشحن من الصين إلى المحيط الجنوبي والمحيط الهندي في القرن الثامن، وكان أيضًا الوسيلة الرسمية للتواصل بين سلالة تانغ والغرب عن طريق البحر. وفقًا لأبحاث الخبراء، فإنَّ عَمَلَ يانغ ليانغياو كـ موفد ٍ في داعي له أهمية كبيرة في تاريخ طريق الحرير. هذا الحدث فتح الأبواب للتواصل الرسمي والتجارة بين سلالة تانغ والعالم الغربي عن طريق البحر، مِمَّا عَزَّزَ بشكل ٍ كبير التبادلات الثقافية بين الثقافات الشرقية والغربية عَبرَ البحر.

أحوال العرب في سلالة تانغ

  1. في عام 635، جاءَ مبشرٌ مسيحي يُدعى أروبن، وفقًا للسجلات الصينية، إلى الصين من الموصل بالعراق للتبشير، وسمحت له سلالة تانغ بـ بناءِ كنيسة ٍ في تشانغ آن. وفي متحف بي لين في شيان، يوجد نُصُب تذكاري تمَّ إنشاؤه في عام 781 تخليدًا لإنجازات المبشرين العرب النسطوريين. تمَّ اتخاذ هذه التدابير لإظهار شمولية الشعب الصيني تجاه الديانات الأجنبية، وعلى سبيل المثال، سُمِحَ للعرب بالقدوم إلى الصين لنشر دينهم وبناء الكنائس والمساجد.
  2. شاركَ العربُ الذين استقروا في الصين في الامتحانات الإمبراطورية التي كانت تُجرى بهدف اختيار الموظفين. وفي منتصف القرن التاسع، تمَّ ترشيح لي يانغ شينغ، رجل من داعي، من قِبَل بيازهو سيشي (المسؤول الإداري) لأخذ الامتحان الإمبراطوري وأصبح مسؤولًا. وهو معروف أيضًا بإجادة الثقافة الصينية.

.1 الورق وصناعة الورق نحو الغرب
يُعتبر الورق أحد المساهمات المهمة للحضارة الصينية القديمة. أقدم ورقة وُجِدَت في شينجيانغ كانت في مدينة  لوولان القديمة، وهي وثائق إدارية تتعلق بالحصن من القرنين الثالث إلى الرابع. وفقًا للمواد ذات الصلة، تُشير الأدلة إلى أنَّ تِقنية صناعة الورق انتشرت من السهول الوسطى إلى المناطق الغربية في القرن الرابع. كانت توربان وغيرها من الأماكن قادرةً على إنتاج الورق من القرن الخامس إلى السادس. وقد كشفت الاكتشافات الأثرية العلمية والتكنولوجية الحديثة أنَّ ألياف القطن الخام تمَّ اكتشافها في الوثائق من سُلالة تانغ التي تمَّ العثور عليها في مدينة كوقا، مِمَّا يَدُلُّ على أنَّ تقنية الورق في كوقا قد تمَّ تحويلها وابتكارها.
في الوقت الحاضر، يُقبَل عمومًا أنَّ صناعة الورق قد تمَّ تقديمها إلى وسط وغرب آسيا بعد معركة طلاس في عام 751. أسهمَ الحرفيون من الجنود الصينيين الذين تمَّ أسرهم على يدِ جيش الداعي في أول نقلٍ للتكنولوجيا بين الصين ودولة عربية.
سَجلت الوثائق العربية مثل “الذيل الليبي” (960-1038)؟؟؟ و”يتيمة الدهر” أنَّ هؤلاء الحرفيين الصينيين في معركة طلاس أسَّسوا أول ورشة لصناعة الورق في سمرقند.
في عام 751، بعد معركة طلاس، مَكثَ دو هوان في وسط وغرب آسيا لأكثر من عشر سنوات. في عام 762، عادَ شرقًا مع السفن التجارية. الضبط الأصلي لـ “جينغ شينغ جي” (سجل الرحلات) مفقود. اقتبس دو يو جزءًا من “سجل الرحلات” في “تونغديان” وأماكن أخرى. يُعتبر “جينغ شينغ جي” أقدم وأكثر سجل دقيق للعالم العربي في الصين.
رأى دو هوان حرفيين من سلالة تانغ في بغداد
“الحرفيون من هان الذين بدأوا في الرسم هُم فان شو وليو بي الذين جاءوا من جينغ تشاو؛ والنسيجون هُم يوي وي وليو لي الذين جاءوا من هيدونغ.
أشارَ السيد رونغ شينجيانغ، وهو عالمٌ بارزٌ، إلى أنَّ انتشار تقنية الورق إلى الغرب أدى إلى حصول الدول العربية والدول الأوروبية والأمريكية على مادة كتابة رخيصة، مِمَّا عَزَّزَ العلوم المحلية والثقافة والتقدم الاجتماعي.

 

 .2 الأواني المطليَّة بـ اللاكيه
في عام 60 قبل الميلاد، قامت سلالة هان بحكم شينجيانغ بشكل فعَّال. في عصور وي وجين وتانغ، تمَّ استيراد الأواني المطلية بـ اللاكيه باستمرارٍ إلى المناطق الغربية كـ هديةٍ، مَمَّا أثرى ووسَّعَ إدراك ومعرفة الثقافة الهانية في البلدان الأجنبية. أشارَ زانغ غوانغدا إلى أنَّه من القرن الثالث إلى القرن الثامن، كانت السلعة الأكثر أهمية المتداولة على طريق الحرير هي الحرير الصيني؛ وكانت السلع الأخرى المتداولة على طول طريق الحرير تشمل المرايا النحاسية، والفخّار ثلاثي الألوان، والأواني المطليَّة بـ اللاكيه من الصين.
في كتاب “تركستان، حتى غزو المغول” لـ بارثولد، تمَّ ملاحظة العديد من المنتجات الصينية في منطقة نهرية، وبعد ذلك أطلقَ العرب على جميع الأشياء المصنوعة بإتقان ٍ اسم “صينية”، مِمَّا يُظهر مدى إعجاب هؤلاء المسلمين بمهارات الحرفيين الصينيين.
من سلالة لياو الغربية إلى سلالة يوان، تمَّ تصدير الأواني المطليَّة بـ للاكيه إلى وسط آسيا وغرب آسيا. سجلات “رحلة إلى الغرب” لـ يلو تشوتساي:
“الكثير من الأواني المطليَّة في المدينة تحمل جميعها علامة تشانغ آن.”
وإلى الغرب أيضًا تُوجد المدينة المرقطة بالقرب من النهر، وهي مزدهرة للغاية. وإلى الغرب توجد مدينة توان، وهي أيضًا رائعة. وهناك العديد من المصنوعات المطلية بالورنيش في المدينة، وجميعها من تشانغآن.”
مدينة بان (بلخ) ومدينة توان (بالقرب من مزار الشريف في أفغانستان)، كلاهما في جنوب نهر آمو داريا، تَحملان علامة “تشانغ آن”، وهي بلا شك منتجات من تشانغ آن. كثيرًا ما كانت مدينة بان ومدينة توان تشهدان الأواني المطلية بـ اللاكيه التي تحمل “علامة تشانغ آن”. لا بد أنَّ شينجيانغ كانت هي الطريق، مع خلفية التجارة البحرية المزدهرة في سلالتي سونغ ويوان، ومن المُرجح جدًا أنها جاءت من طريق الحرير البري. في عام 1948-1949، تمَّ اكتشاف وعاء مطلي بـ اللاكيه يَحمل نقشًا من المدينة القديمة كاراكوروم في منغوليا، ومشابهًا لعلامة “تشانغ آن”. من المؤكد إنها ليست مصادفة تاريخية.

 

  1. الحرير
    كان حوض توربان مركزًا لحكم الصين على شينجيانغ خلال سُلالتي هان وتانغ، وكان نقطة رئيسية للتكامل الثقافي والتبادل على طول طريق الحرير. إنَّ العدد الكبير من الوثائق الرسمية والحرير وغيرها من الأشياء التي تمَّ اكتشافها هناك هو دليل على إدارة الحكومة المركزية لشينجيانغ، حيث شَهِدتْ التبادلات الثقافية على طول طريق الحرير.
    كانت معظم منتجات الحرير التي اُكتُشِفت في مدينة توربان من القرنين الخامس إلى الثامن منتجات ٍ محلية. في الوقت نفسه، ومع انتشار تقنية الحرير الصينية وتبادل الفنون متعددة الثقافات، تمَّ إنشاء حرير يَحملُ أنماطًا من وسط آسيا وفارس وغرب آسيا. أشارَ بعض العلماء إلى أنَّه في السنوات الأخيرة، تمَّ العثور على بروكار إسلامي يتميز بأنماط النسر وفنغ (طائر يشبه العنقاء) في قبر دوران في مقاطعة تشينغهاي، مِمَّا يدل على أنَّ الفن الإسلامي لم يتأثر فقط بالفن البيزنطي والفارسي والسغدي، ولكن أيضًا استفادَ من الثقافة الصينية البعيدة. تمَّ العثور على شظايا من الحرير تحمل نمط الهلال في توربان، وهي الآن محفوظة في اليابان. ومن المحتمل أنَّ أصلَهَا جاءَ من وسط آسيا. يَعتقد بعض الخبراء أنَّ النص هو “كوفي عربي فريد ﴿نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ ﴾ [القرآن الكريم، صورة الصف، الآية 13]. لا شك أنَّ هذا يُعدُّ شاهدًا تاريخيًا مهمًا على التبادل الثقافي بين الصين والعرب.

4  . تجارة العبيد كما تَظهر في الوثائق
تُظهر عددٌ من وثائق تجارة العبيد التي تمَّ اكتشافها في مدينة توربان، شينجيانغ، العديدَ من التفاصيل حول الحياة الاجتماعية والاقتصادية في العصور الوسطى. الوثيقة المذكورة أعلاه “ملف طلب جواز سفر من تانغ يي تشيان وغيرها” أبلغت عن عائلة عَمُه في سوق توربان لإجراء بيع خادماتٍ إناث تَتراوح أعمارهن بين 11 و13 عامًا وفقًا لقوانين سلالة تانغ مرتين في 731-732 ميلادي، وتمَّ إبرام عقود البيع.
سَجَلَّت هاتان الوثيقتان بيع الخادمتين بالغة الصينية. وبالمثل، من بين الوثائق غير الصينية التي تمَّ اكتشافها في شينجيانغ، توجد وثيقة تتعلق بشراء وبيع عبيدٍ إناث مكتوبة باللغة السغدانية، والتي تَعود لوثيقة عقدِ بيعٍ . من خلال التفسير والبحث الذي أجرَاهُ خبراء السغدانية اليابانيون يوشيدا يوتاكا وموراياسو تاكاو، نَعلم أنَّه في عام 639، قامَ مُشترٍ يُدعى “تشانغ يانشيانغ” بشراء خادمةٍ من السغديين الساماكانيين في المدينة القديمة غاوتشينغ بتوربان مقابل 120 عملة فِضية. تحتوي الوثيقة على أربعة سغديين شهود. كما توجد توقيعاتٍ على ظهر الوثيقة.
في عصور سوي وتانغ، كانت الأوبرا والمسارح والحانات في العاصمة تشانغ آن ولوك يانغ، بالإضافة إلى المراكز التجارية في يانغتشو وكيانزهو وقوانغتشو وغيرها من الأماكن، تَضُمُّ العديدَ من “هو جي” (راقصاتٍ)، يَعتمدون على الموهبة والجمال لكسب لقمة العيش أو لتحقيق أحلامهن. كانت “هو جي” المُسجلة في شِعرِ تانغ و”سونغ سي” مشهدًا جَميلًا في عواصم سوي وتانغ. في أوائل القرن الثامن، وَصَفَ الشاعر الشهير لي باي في عَملهِ البارز “رحلة الشباب”: “يُحطم الأزهار المتساقطة تحت قدميه، إلى أين يذهب؟ ضاحكًا، يدخل حانة هو جي.”
لتوسيع الرؤية التاريخية، قد تكون مَصائر هؤلاء الأشخاص الموجودة في وثائق توربان أكثر كـ فنانين موسيقيين وراقصين (رقص هو شوان، رقص هو تينغ، إلخ) وبروتوكولات رَسميَّة تُجَسد هُويتهم.
من تحليل التاريخ العالمي، كانت تجارة العبيد على طريق الحرير في العصور الوسطى دولية وعالمية. قصة ديفادود الأسطورية في “ألف ليلة وليلة” مثال ٍ على ذلك.
لا شك أنَّ تجارة التوابل على طريق الحرير هي أيضًا جزء مهم من التجارة الثقافية بين الصين والدول العربية.
في أوائل القرن العاشر، دَخَلَ الإسلام إلى كاشغر، شينجيانغ، الصين. مع ازدهارِ سلالة القاراخانية في شمال غرب الصين، بدأ الإسلام في الانتشار في حوض تاريم الغربي. من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر، خلال خان القراخطائي في سلالة يوان، كانت الطرق البرية لطريق الحرير مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتبادلات الثقافية بين الصين والدول العربية. بشكلٍ خاص، كان لانتشار الإسلام تأثير كبيرٍ على تَطَوِرِ وتَحَوِل الثقافة المتعددة في شينجيانغ، الصين.

 IV .الخاتمة

لتوضيحِ القيمة التاريخية لتبادلات الثقافة بين الصين والدول العربية، نَحتاجُ إلى توسيع المحور التاريخي باستمرارٍ، وتعزيز المصداقية التاريخية، وإثراء المحتوى التاريخي، وأيضًا تَفعيل المشهد التاريخي؛ ولا بد أنَّ نقوم بتفسيرٍ مَنهجيّ وواعٍ وشائعٍ بـ رُوحِ العلم والإنسانية؛ وهذا هو الأساس الثقافي للابتكار المشترك والثقة المتبادلة والتعاون المربح للطرفين في التبادلات الثقافية والحوار بين الصين المعاصرة والحضارات العربية. من خلال بصيرة وحكمة المؤرخين، يَنبغي للعلماء أنْ يكونوا متفائلين بشأن بناء حزام طريق الحرير الاقتصادي في العصرالحديث، وأنْ يَستمروا في تعميق التبادلات والتعاون بين الشعوب بين الصين والكويت ودول عربية أخرى.

في عام 1985، كَتَبَ العالِمُ الشهير زانغ قوانغدا في كتابهِ: “النقل الداخلي في أوراسيا القديمة: حول تأثير الجبال والصحارى والواحات على التبادل الثقافي بين الشرق والغرب”: “إنَّ الطريق الذي قادَ الصين إلى الغرب خلال سُلالتي هان وتانغ يَظهر أنَّ جميعَ الجماعات العِرقية في الشرق والغرب كانت تسعى بشغفٍ إلى الاتصال والتبادل المتبادل، وأنَّ ازدهار طريق الحرير لآلاف السنين يُثبت أنَّه جاءَ نتيجة لاحتياجات الحياة والمنتجات البشرية، لذا بَذلت جميع الجماعات العرقية جُهدًا كبيرًا لتجاوز حواجز العزلة بوسائل متنوعة ٍ. حتى الحروب بين القبائل البدوية والمستقرة، والصراعات التجارية والسياسية بين الجماعات العِرقية المختلفة، يُمكن أنْ تُعرقل الحركة مؤقتًا فقط، لكنها لا تستطيع في النهاية عَرقلة تَدَّفقِ الشرقِ والغربِ بـ سلاسةٍ.

وأخيرًا، أود أنْ أختتم بملاحظاتٍ هامة للرئيس شي جين بينغ:

في عامِ 2014، أشارَ الرئيس شي جين بينغ في مراسم افتتاح الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون بين الدول العربية والصين إلى أنَّ: “كِلا الشعبين الصيني والعربي قد أنشأوا حضاراتٍ رائعة، وواجهوا التَقلُبات في ظِل تَغيُيراتِ الأزمنة في التاريخ الحديث، مِمَّا جَعَلَ الإصلاحات الوطنية سعيًا دائمًا لكِلا الجانبين. دَعُونا نعملُ معًا لتعزيز روح طريق الحرير، وتعميق التعاون بين الصين والدول العربية، وتَحقيق الحُلم الصيني،  دَعُونا نَسعى لتحقيق القضية النبيلة للسلام والتنمية للبشرية”.

وفي مايو 2024، ذَكرَ الرئيس شي جين بينغ في رسالة التهنئة إلى الدورة العادية الثالثة والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة: “إنَّ العلاقات الحالية بين الصين والدول العربية هي في أفضل فترة في تاريخها. ونتطلع إلى المستقبل، فإنَّ الصين جاهزة للعمل مع الدول العربية لمواصلة تعزيز رُوح الصداقة بين الصين والدول العربية، وبناء مجتمع صيني عربي ذو مستقبل مشترك على مستوى أعلى، والمساهمة في بناء مجتمع ذو مستقبل مشترك للبشرية.”

أتَمنى للصين والكويت المزيدِ من الإنجازات في التعاون الثقافي والتاريخي والتبادلات. وأُرَحب بجميع الأصدقاء الأعزاء لزيارة شينجيانغ، الصين.